الرجعة في مفاهيم الحركة المهدوية(1)
الأستاذ: ولاء أياد طه
رابطة وحدة الكلمة ـ بابل تكثر في الآونة الأخيرة وفي أيامنا هذه تداعيات كثيرة حول موضوع الأمام صاحب الزمان، وتنقل لنا وسائل الأعلام أن أكثر بني البشر الذين يؤمنون بالرسالات السماوية وغيرهم يأملون حضور شخص يسمى لديهم المخلِّص) أو المصلح الأكبر في آخر الزمان، وكلا الفريقين يترقب بشغف البشارات والعلامات السماوية والأحداث على الأرض. ونحن شيعة أهل البيت عليهم السلام من أكثر الشعوب والأمم والمذاهب انتظاراً للفرج الشريف والنور الأكبر. حيث يود كثير من المؤمنين الأحياء أن يكونوا في عصر الظهور ليتشرفوا بالطلعة البهية والنور العظيم والفوز الأكبر جنباً إلى جنب مع قائم آل محمد عليه السلام، وتصدح حناجرهم بالدعاء ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً للإمام بالفرج، حتى ندب كثير من المؤمنين نفسه للتصدق عن الإمام تعجيلاً للفرج وحرصاً على الدعاء بدعائي العهد والندبة يوم الجمعة 000 وبالرجوع إلى مضمون الأدعية نجد تمني المؤمنين ممن محض الأيمان الرجوع مع قائم آل محمد إلى الحياة الدنيا.
اعلم إن الرجعة سر من إسرار الله والقول بها من ثمار الإيمان بالغيب.
و المراد بها رجوع الأئمة عليهم السلام وشيعتهم وأعدائهم ممن محض من الفريقين الإيمان أو الكفر محضاً، فان من أهلكه الله في الدنيا بالعذاب لا يرجع إلى الدنيا. قال الله تعالى: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ)). الآية 95 الأنبياء
روى القمي عنهما عليهما السلام قال <كل قرية اهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة>.
وقال الصادق عليه السلام.. والدليل على أن هذا في الرجعة قوله تعالى ((وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا)) قال: <الآيات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام..>.
فقال الرجل: إن العامة تزعم إن قوله تعالى: ((وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً))، يعنى في يوم القيامة؟
فقال عليه السلام..: أفيحشر الله عز وجل يوم القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين ؟ لا، ولكنه في الرجعة. وأما آية القيامة فهي: ((وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)).(2)
وعنه عليه السلام: ليس أحد من المؤمنين قتل إلا ويرجع حتى يموت ولا يرجع إلا من محض الأيمان محضاً ومحض الكفر محضاً).
وفي الكافي عنه عليه السلام في قوله تعالى: ((بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)).(3)
إنهم قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم عليه السلام فلا يدعون وتراً لآل محمد إلا قتلوه.
وبقوله تعالى: ((يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ))(4) في حديث أشراط الساعة عنه صلى الله عليه وآله وسلم: أول الآيات الدخان ؛ ونزول عيسى عليه السلام ونار تخرج من قعر عدن أبين، تسوق الناس إلى المحشر ؛ قيل: وما الدخان ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية، وقال: يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوماً وليلة، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكام وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره).
وفي تفسير على بن إبراهيم قال: <ذلك في الرجعة من القبر... إلى أن قال: ثم قال: ((إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ))(5) يعني يوم القيامة 0 ولو كان قوله: ((يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ)) في القيامة لم يقل: ((إِنَّكُمْ عائِدُونَ)) لأنه ليس بعد الآخرة والقيامة حالة يعودون إليها 0 ثم قال: ((يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى..))(6) يعني في القيامة ((إِنَّا مُنْتَقِمُونَ)) أنتهى0
أقول: قوله: من قعر عدن أبين ) معنى أبين أسم رجل وهو الثاني من الأعرابيين. وعدن اسم موضع؛ يعني النار التي تسوق الناس من مسببات مضمرات فتن باطن ذلك الأعرابي.
وفي الجملة قول للأكثرين من الإمامية للأخبار المتكثرة المتواترة معنى والآيات الكثيرة.وقد أنكرها بعض الأمامية ولم يثبت إلا خروج القائم عليه السلام لأنه من المجمع عليه بين المسلمين وإن اختلفوا في القائم على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال: عيسى بن مريم عليه السلام ومنهم من قال: هو المهدي من بني العباس، كما رجحه ابن حجر في الصواعق). ومنهم من قال: هو محمد بن الحسن العسكري،وهو قول جميع شيعة أهل البيت عليهم السلام وقليل من الجمهور.
وأما الجمهور) فأنهم ينكرون الرجعة أشد الإنكار ويشنعون على الشيعة وينسبونهم في القول بذلك إلى الابتداع. قال ابن الأثير في النهاية): والرجعة مذهب قوم من العرب في الجاهلية معروف عندهم ومذهب طائفة من فرق المسلمين من أولي البدع والأهواء؛ يقولون: إن الميت يرجع إلى الحياة الدنيا ويكون فيها حياً كما كان.
واعلم أن المخالفين كانوا في الصدر الأول كثيراً ما ينافون علي بن أبي طالب عليه السلام ليصرفوا وجوه الناس عنه إليهم. فكانوا يسألون عن أحكامه واعتقاداته فيقولون بخلافها ويتكلفون الأدلة على بدع ويؤولون ما يوافق المذهب الحق ويوردون الشُبه التي تخفى على العامة في صورة الحق دليلاً لهم على من لا يفهم وعذراً لهم عمن يفهم. فنصب أئمة الهدى عليهم السلام أدلة الحق الموصلة إلى طريق الرشاد والنافية لحجج أهل الخلاف والعناد. ما بين مجملات وقواعد ومفصلات وشواهد. فمن المجملات والقواعد ما أمروا به وجعلوه أصلاً ينفتح به ألف باب وهو قولهم صلى الله عليهم: خذ بما خالف القوم فان الرشد في خلافهم) والعلة في ذلك أن خلافهم هو قول علي عليه السلام واعتقاده. والرجعة) من ذلك لما أخبر بها هو وأهل بيته، أنكروها غاية الإنكار وأوردوا عليها الشبه تمويهاً على الحق بالباطل 0
سؤال/ ثمة تباين في مسألة الرجعة بين ما تقرأه في قوله تعالى من سورة المؤمنون أية 99ـ ((قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ)) وبين ما نقرأه في الزيارة الجامعة في قولنا<مصدقٌ برجعتكم> فكيف نوفق بين النصّين؟
جواب / مسألة الرجعة هي من الأمور الثابتة ومن المسلّمات عند مذهب الأمامية، والرجعة عبارة عن عودة مجموعة من خُلص المؤمنين في زمان ظهور الأمام المهدي عليه السلام ورجوع سائر أهل البيت عليهم السلام(7) وقد جاء القرآن بصحة ذلك, وتظافرت به الأخبار عن الأمامية بأجمعها عليه إلاّ من شذّ منهم.
والرجعة تشمل أيضاً رجوع مجموعة من الأفراد ممن محض بالكفر والشرك والعناد. إن هؤلاء يعودون جميعاً إلى الحياة الدنيا مرةً أخرى بقدرة الله تعالى، وغني عن القول أن هذا الأمر ممكن وغير ممتنع ذاتاً. وفي مجـال الأخبار الواردة في المسـألة فقد ذكر العلامة المجلسـي أن ما يقارب المأتين من الأخبار والأحاديث نقلت عن أهل البيت عليهم السلام فـي الرجعة. والاعتقاد بها إجمالاً يعد من الواجبات دون أن تكون ثمة ضرورة للعلم بالتفاصيل عن كيفية الرجعة ومدتها ومن تشمل من الأفراد. وجواب الشبهة المثارة في السؤال كيف توفق بين الآية الكريمة التي تتحدث صراحة عن عدم إجابة دعوة الكفار في العودة إلى الدنيا ورد طلبهم من قبل العزيز الحكيم , فيما نقول في عقيدتنا بالرجعة بأن بعض الكفار سيعودون إلى الحياة الدنيا مرة أخرى.
في الواقع إن جوهـر الإجابة يكمن في الالتفات إلى الاختلاف بين الموضوعين فالآية تتحدث عما يتمناه الكافرون من عودة إلى الحياة الدنيا لتحصيل الإيمان لأمنيتهم هذه) أما الرجعة فتكون لبعض الكافرين لهدف آخر غير ما تتحدث عنه الآية الكريمة, إذ هم يعادون إلى الحياة الدنيا بقدرة الله تعالـى ليروا السلطة الإلهية الحقة لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم يقتلون على أيديهم وعلى أيدي آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن الواضح أن عودة هؤلاء تتم لهدف أخر ولهـا موضوعها الخاص الذي يختلف عن الهدف والموضوع اللذين تتحدث عنهما الآية مورد السـؤال، فرجعة هؤلاء البعض من الكفار تكون كنوع من الانتقام والجزاء لما اقترفوه من أعمال سيئة في حياتهم الدنيا تماماً كما أن عودة بعض المؤمنين ورجعتهم إلى الدنـيا في زمن الظهور تكون بهدف أن يروا أهدافهم وما كانوا يتمنونه ويسعون إليه في حياتهم الدنيا من قيام سلطة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهذا الأمر في الواقع هو نوع من المجازاة والتعويض عما لاقوه في حياتهـم من متاعب وهمـوم وغموم وآلام. وبعبارة ثانية تسـتطيع أن تقول إن عودة مجموعة من الكفار والمؤمنين إلى الحياة الدنيا وقت الظهور ورجعتهم إليها تكون بمثابة تحقق نوع من مراتب ودرجات الثواب والعقاب لكل منهما وهـي بالتالـي لا تكون بهدف تكميل الإيمان وتحصيله ولا للقيام بالعمل الصالح. لذلك جاءت قضية الرجعة كما يفهم من بعض الأخبار لتعتبر جزء من القيامة حتى أن البعض يذهب إلى تأويل الساعة الواردة في بعض الآيات بأن المقصود منها هو زمان الرجعة كما جاء في بعض الأحاديث إن أيام الله ثلاثة:يوم الظهور ويوم الكرة ويوم القيامة ) وفي رواية أخرى يوم الموت ويوم الكرة ويوم القيامة).
والآن.. لا بأس أن نضع هذه العقيدة على طاولة التشريح، لنطلع على أبعادها وحقيقتها ونعرضها على كتاب الله وسنة رسول الله والعقل، لننظر موقف القرآن والسنة والعقل من هذه العقيدة وهل أن فيها شيئا يدعو الى التهريج والإستهزاء؟!
الرجعة في اللغة:
بالفتح هى المرة في الرجوع ومعناه العود الى الدنيا بعد الموت.
قال ابن فارس: <رَجَع: الراء والجيم والعين، أصلٌ كبير مطرد منقاس، يدل على ردّ وتكرار. تقول: رَجَع يرجع رجوعاً إذا عاد وراجع الرجل امراته وهى الرَجعة والرِجعة... والاسم الرجعة...(8).
الرجعة في الاصطلاح:
وهي عندنا بمعنى رجوع الحجج الإلهية ورجوع الأئمة الطاهرين ورجوع ثلة من المؤمنين وغيرهم إلى الدنيا بعد قيام دولة المهدي.
وقد فسرها البعض برجوع دولة الحق لا رجوع الأموات إلى الدنيا وهو تفسير شاذ لا يقول به مشهور الامامية.
1ـ قال الصدوق: <إن الذي تذهب اليه الشيعة الامامية، اَنّ الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي قوماً ممن كان تقدم موته من شيعته وقوماً من أعدائه>.(9)
2ـ وقال المفيد: <اتفقت الامامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة وان كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف>.(10)
و قال أيضا: <إنما يرجع الى الدنيا عند قيام القائم من محض الإيمان أو محض الكفر محضاً فأما سوى هذين فلارجوع الى يوم المأب>.(11)
توضيح الاختلاف: لعل المراد بالاختلاف الذى اشار اليه الشيخ المفيد هو تأويل بعض الشيعة الامامية، للاخبار المستفيضه في الرجعة الى رجوع دولة الحق، ورجوع الامر والنهي إلى الأئمة عليهم السلام والى شيعتهم واخذهم بمجارى الامور، دون رجوع اعيان الاشخاص. واليه اشار الشيخ الصدوق قائلا: <وانّ قوماً من الشيعة تأوّلوا الرجعة على معناها: رجوع الدولة والامر والنهي من دون رجوع الاشخاص وإحياء الاموات>.(12)
يتبع..