حقيقة الإمام المهدي عليه السلام في روايات ومصادر العامة
من وسائل التقريب ونبذ الطائفية*
د. حسين سامي شير علي
كلية الفقه/ جامعة الكوفة
هناك حقيقة عالمية اعترفت بها جميع الأديان السماوية، وهي ضرورة ظهور المصلح المنقذ والمخلص في آخر الزمان لإشاعة العدل والسلام بين شعوب الأرض، مع اختلافٍ في شخصية وماهية ومصداق ذلك المصلح.
وحقيقة إسلامية أخرى اعترفت بها جميع مذاهب الإسلام الفقهية والعقائدية، وهي: القول بظهور الإمام المهدي الذي سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، وحفلت بالحديث عنها جميع كتب الفرقاء المسلمين، ولكنها شأنها شأن الكثير من العقائد التي صوّرت على انها خاصة بالشيعة الإمامية على وجه الاحتكار رغم كونها عقيدة إسلامية عامة يقول ويعتقد بها الجميع أمثال مبدأ التقية والبداء، ومنها القضية المهدوية التي احتسبت قضية شيعية صرفة رغم اعتقاد الجميع بها سواء عن طريق العقل أو النقل.
وما أحوجنا إلى العناية بنشر هذا الجانب والالتفات إلى ما يتضمن من مفردات ومفاهيم ومصاديق من شأنها أن تساعد في إلغاء الفجوة الطائفية التي ينوء بحملها الجميع، ومحاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية.
لقد زخرت كتب الحديث والسيرة والفضائل بمزيد من الأحاديث التي أخبر رسول الله فيها أمته، فوقعت طبقاً لأحاديثه صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من الأمور المستقبلية التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولم تقع لحد الآن، ظهور الإمام المهدي عليه السلام وقيام دولته دولة العدل والحق.
وقد روى أحاديث المهدي عليه السلام جميع مصنفي الشيعة، ولا حاجة بنا إلى الإشارة لمصادرهم كونها من الشهرة بحيث يكون التنبيه إليها ضرب من التكرار والإطالة التي لا طائل وراءها.
ومن ثم فقد روى أحاديث المهدي عليه السلام جماعة من محدثي السنة في صحاحهم ومسانيدهم كالترمذي وأبي داود السجستاني والحاكم النيسابوري وابن ماجة، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وابن عباس، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود، وطلحة بن عبد الله، وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأم سلمة وغيرهم ممن سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يردد حديث مهدي أهل البيت ويبشر بظهوره.
قال الشيخ عبد المحسن العباد(1) في محاضرة له بعنوان (عقيدة اهل السنة والأثر في المهدي المنتظر): (ان من بين الأمور المستقبلية التي تجري في آخر الزمان، عند نزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء، هو خروج رجل من أهل بيت النبوة، من ولد علي بن أبي طالب عليه السلام يوافق اسمه اسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويقال له المهدي، يتولى إمرة المسلمين ويصلي عيسى بن مريم عليه السلام خلفه وذلك لدلالة الأحاديث المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي تلقتها الأمة بالقبول، واعتقدت بموجبها إلاّ من شذّ منها).(2)
فالإيمان بوجود الإمام المهدي عليه السلام عقيدة إسلامية يؤمن بها المسلمون جميعا وليست فكرة شيعية ولدتها ظروف الكبت والإرهاب والبؤس. للتخفيف عن النفوس التي أرهقها الظلم والتسلط. كما يحلو للبعض التجني على العقائد الإسلامية والتنكر لسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وذكر د. احمد صبحي في كتابه (نظرية الامامة) إنه قد شاع الاعتقاد في انتظار المهدي عليه السلام عند جماعة من أهل السنة، وان لم يتقرر كأصل من أصول عقيدتهم كما هو الحال لدى الشيعة بعد أن تحدث فيه بعض علمائهم كالكنجي الشافعي في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان) والسيوطي في كتابه (العرف الوردي) وابن حجر الهيثمي في كتابه (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر) ويوسف بن يحيى المقدسي في (عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر).(3)
ومضى يقول: وشارك في الاعتقاد بالمهدي المنتظر فريق آخر من علماء السنة بالرغم من عدائهم التقليدي للشيعة وإنكارهم لأكثر عقائدهم، فيعتقد ابن تيمية بصحة الحديث الذي رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجاء فيه: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وذلك هو المهدي، وفي حديث آخر له: المهدي من عترتي ومن ولد فاطمة، كما يرى ان ما رواه أحمد والترمذي وأبو داود حول المهدي من الصحاح.(4)
قال السيد عبد الله شبر: إعلم انه قد ورد في روايات متواترة وأحاديث متظافرة البشارة بالمهدي عليه السلام وبأنه تكون له غيبة من طرق العامة والخاصة، وقد روى ذلك من العامة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومؤلف جامع الأصول وغيرهم.
وقد ورد في كتب العامة المعتبرة والأصول المقررة من الروايات في القائم عليه السلام ما يزيد على ألف حديث، وفي الصواعق المحرقة لابن حجر في أحوال العسكري ما لفظه: ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة عليه السلام وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة وسمي القائم المنتظر، قيل لأنه عليه السلام ستر بالمدينة وغاب، ولم يعرف أين ذهب. وذكر نحو ذلك غيره من العامة كابن خلكان وصاحب الفصول المهمة، ومطالب السؤول وشاهد النبوة.(5)
انّ ما تتضمنه هذه الدراسة من استعراض وإحصاء روائي ونصوصي هو ليس جديدا في بابه كما لا يخفى، ولكن عملية توظيف هذه المادة باتجاه المقاربة العقائدية موضوعياً، ومحاولة التعميم الفكري نحو وحدة إسلامية في الرؤى والمبادئ العامة، وهو ما يمكن أن يمثّل حاجة عصرية ملحة للوقوف أمام رياح التيارات الفكرية الجديدة بقسميها الإسلامية المتشددة التي تستخدم سيف التكفير لتحارب به الإسلام فكراً وعقيدة، والغربية المادية الجديدة التي تحرص على استخدام جميع الوسائل التي من شأنها التشكيك بالإسلام من جميع نواحيه الأخلاقية والعقائدية، ولغرض إثبات الوحدة الإسلامية من الناحية العقائدية من خلال الإجماع على القول بظهور الإمام المهدي عليه السلام ، سوف نتناول البحث في روايات ومصادر العامة التي أشيع عنهم بعدم الاعتقاد بهذه القضية، لندفع باتجاه وحدة العقيدة بعد أن أثبت كثير من العلماء وحدة التشريع ومبادئ الأخلاق والسلوك.
ولذلك سوف ينتظم هذا البحث ضمن مطالب وهي:
المطلب الأول: الصحابة الرواة لأحاديث المهدي عليه السلام.
المطلب الثاني: موقف الصحيحين من روايات المهدي عليه السلام.
المطلب الثالث: القول بصحة أحاديث المهدي عليه السلام.
المطلب الرابع: القول بتواتر أحاديث المهدي عليه السلام.
المطلب الخامس: تخريج المصنفين لأحاديث المهدي عليه السلام من العامة.
المطلب السادس: التصنيف في قضية الإمام المهدي عليه السلام.
المطلب السابع: الاحتجاج بأحاديث المهدي من قبل العامة.
المطلب الأول: الصحابة الرواة لأحاديث المهدي:
روى حديث الإمام المهدي عليه السلام جمع من الصحابة على ما جاءت به الروايات في كتب العامة، ذكر منهم بعض المصنفين: علي بن أبي طالب عليه السلام ، عثمان بن عفان، طلحة بن عبد الله، عبد الرحمن بن عوف، الحسين بن علي عليه السلام ، أم سلمة، أم حبيبة بنت أبي سفيان، عبد الله بن عباس، عبد الله بن مسعود، عبد الله بن عمر، عبد الله بن عمرو بن العاص، أبا سعيد الخدري، جابر بن عبد الله، أبا هريرة، انس بن مالك، عمار بن ياسر، عوف بن مالك، ثوبان مولى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، قرة بن إياس، علي الهلالي، حذيفة بن اليمان، عبد بن الحارث بن جزء، عوف بن مالك، عمران بن حصين، أبا الطفيل، جابر الصدفي(6) وغيرهم.
وأورد الاستاذ علي محمد علي دخيل ثبتا بأسماء خمسين صحابيا من رواة حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإمام المهدي عليه السلام ، وبين المصادر التي وردت فيها أحاديثهم(7) وبغض النظر عن الانتماء الطائفي لهؤلاء الصحابة ومواقفهم من أهل البيت عليهم السلام فإنهم قد رووا أحاديث المهدي ووصلت إلينا من طرقهم ومن طرق الإماميّة على حد سواء، وفي ذلك اعترافٌ من قبلهم ودليل حاكم على ان مسألة الإمام المهدي عليه السلام لم تكن خافية عن التفكير الإسلامي منذ فجر الرسالة التي عاصرها أكثر هؤلاء الصحابة.
المطلب الثاني: موقف الصحيحين من روايات المهدي عليه السلام:
1_ روى البخاري في باب نزول عيسى بن مريم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كيف انتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟(8)
2_ روى مسلم في صحيحه عن جابر، انه سمع النبي يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون عن الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صلّ بنا فيقول: لا، ان بعضكم على بعض أمراء تكرمةً لهذه الأمة.(9)
هذان الحديثان في الصحيحين، وان لم يكن فيهما التصريح بلفظ المهدي تدل على صفات رجل صالح يؤم المسلمين في ذلك الوقت، وقد جاءت الأحاديث في السنن والمسانيد وغيرها مفسرة لهذين الحديثين اللذين في الصحيحين، ودالة على ان ذلك الرجل الصالح اسمه محمد ويقال له المهدي، والسنة يفسر بعضها بعضا (10) فضلاً عن إن أصحاب الصحيحين لم يذكرا في كتابيهما كل الأحاديث الشريفة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإنما ذكرا ما ثبت لديهما صحته على شروطهما، وهذه الشروط ملزمة لهما ولكنها غير ملزمة للآخرين، فما يرونه صحيحاً قد يراه غيرهما من العلماء ما ليس كذلك وبالعكس، ولذلك استدرك عليهما الحاكم النيسابوري في كتابه (المستدرك على الصحيحين).
ومن الأحاديث المفسرة لما ورد في الصحيحين دالاًّ على ذكر الإمام المهدي عليه السلام ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: (المهدي من هذه الأمة، وهو الذي يؤم عيسى بن مريم).(11)
وما أخرجه أبو نعيم عن أبي عمرو الداني في سننه بسنده عن حذيفة، انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم _في حديث_ يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم كأنما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي: تقدم صلّ بالناس، فيقول عيسى عليه السلام: إنما أقيمت الصلاة لك، فيصلّي خلف رجلٍ من ولدي.(12)
على ان شروح الصحيحين توضح بصراحة المراد بلفظ (وإمامكم منكم) فقد صرّح في إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري بكون المراد به المهدي عليه السلام وإن عيسى عليه السلام يقتدي به في الصلاة(13) ومثله في عمدة القاري بشرح صحيح البخاري.(14)
وأورد في فيض الباري عن صحيح البخاري حديثا عن ابن ماجة يفسر حديث البخاري ثم قال: فهذا صريح في ان مصداق الإمام في الأحاديث هو المهدي.(15)
3_ وأخرج مسلم في الصحيح بسنده عن جابر بن عبد الله، انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً، لا يعدّه عدّاً.
ولفظ الخليفة الوارد في صحيح مسلم، مفسر بالإمام المهدي عليه السلام في كتب العامة ومسانيدهم المعتبرة، فقد أخرج الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: انّ في أمتي المهدي _الى ان قال_ فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني أعطني، فيحثي المال له في ثوبه ما استطاع أن يحمله.(16)
يتبع.