دراسة عن توقيت ظهور الإمام المهدي المنتظر(1)
بقلم: مجتبى السادة
السعودية - صفوى
لماذا النهي عن توقيت الظهور؟
كثر في الآونة الأخيرة من بعض الكتّاب تحديد وقت أو زمن أو تعيين العام (السنة) الذي سيظهر فيه الإمام عجل الله فرجه، وهذا يدل على تلهّف المؤمنين إلى سرعة تحقق البشارة النبوية التي ستقلب صفحات التاريخ وتغير مسار البشرية من الظلم والجور إلى العدل والقسط، وهذا ناشئ إما بسبب حبّهم الشديد لبقية الله عليه السلام، أو لجهلهم بحقائق الأمور.
حقيقة لابد أن نعرفها: بأن أئمة أهل البيت عليهم السلام - رغم كثرة ما تحدّثوا وأخبروا به عن الإمام المهدي عليه السلام ومميزات عصره وعلامات ظهوره.. إلا أنهم رفضوا التصريح عن توقيت يوم الظهور، لا بل بالعكس نهوا عن التوقيت، وأمرونا بتكذيب كل من يخبر بوقت الظهور.. لأن ذلك سر من أسرار الله، قد أخفاه جلَّ وعلا - لحكمةٍ –عن الناس.
أمثلة على التوقيت في العصر الحديث:
هناك بعض الكتّاب في الوقت الحالي من حدد السنة التي يظهر فيها الإمام المهدي عليه السلام بالضبط، إلا أنهم تغافلوا عن الحكمة في إخفاء وقت الظهور.. ومن الأمثلة على ذلك:
1 ـ كتب الاستاذ عبد محمد حسن كتاباً طبع بعنوان: (اقترب الظهور) كدراسة تتناول أحاديث أهل البيت عليهم السلام وأحداث العالم، وتستدل على قرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام وتؤقت له.. وحدد فيه تاريخ ظهور الإمام عجل الله فرجه يوم السبت 10 محرم 1429هـ الموافق 19 كانون الثاني 2008م.. وحدد في كتابه كثيراً من الأوقات لعلامات وأحداث لها علاقة بالظهور مثل:
18 حزيران إلى 24 تموز 2007 هطول أمطار شديدة.
21 تموز 2007 يوم جمعة خروج السفياني.
4 تشرين الأول 2007 ليلة جمعة في ليلة القدر، الصيحة والنداء من السماء بصوت جبرائيل عليه السلام.
19 كانون الأول 2007 مجزرة الكوفة على يد السفياني.
3 كانون الثاني 2008 مقتل النفس الزكية في مكة.
24 كانون الثاني 2008 الخسف في البيداء.
بداية تشرين الأول 2008 نزول النبي عيسى عليه السلام.
17 تشرين الأول 2008 فتح القدس.
2 ـ كتب الأستاذ جابر البلوشي كتاباً طبع بعنوان: (ظهور الإمام المهدي عليه السلام عام 2015م نبوءة قرآنية).. وحدد فيه ظهور الإمام عجل الله فرجه يوم السبت العاشر من شهر محرم عام 1437هـ، معتمداً في ذلك على علم الحروف من خلال القرآن الكريم.. وحدد في كتابه كثيراً من الأوقات لعلامات وأحداث لها علاقة بالظهور مثل:
2010م وضع حدود اسرائيل الدائمة، وخروج الأمريكان والبريطانيين من العراق.
2014م كويكب كبير الحجم يصطدم بالأرض ويسبب أعاصير وزلازل وفيضانات بتاريخ 21/3/2014م.
1436هـ خروج السفياني والخراساني واليماني.
2018م نزول السيد المسيح عليه السلام.
2019م إن الله سيدمر الولايات المتحدة الأمريكية بالرياح والأعاصير، بسبب كويكب قادم باتجاه الأرض.
3 ـ كتب الأستاذ فارس فقيه كراساً طبع بعنوان: (أنت الآن في عصر الظهور) وحدد فيه أسماء شخصيات عصر الظهور كالخراساني واليماني وشعيب بن صالح، وطبَّق مواصفاتها على شخصيات حالية.. كذلك لديه كراس آخر بعنوان (جميع الأديان تقول إنه عصر الظهور).
4 ـ الأستاذ ماجد المهدي صاحب كتاب (بدء الحرب الأمريكية ضد الإمام المهدي عليه السلام) كتب بحثاً عن التوقيت بعنوان: (هل التوقيت للظهور المبارك محرم أو منهي عنه؟؟؟ الروايات والعقل ينفي هذا.. وفيه يناقش موضوع التوقيت، وفيه يقول: إن عدونا يعرف قرب الظهور، ونحن نريد أن ندفن رؤوسنا تحت الرمال بحجج هي أوهى من خيط العنكبوت.(2)
5 ـ كتب الأستاذ شادي فقيه كتاباً طبع بعنوان: (أحمدي نجاد والثورة العالمية المقبلة) وقد كتب على الغلاف مانصه: بعض قادة الحرس: أحمدي نجاد هو قائد قوات المهدي التي ستحرر القدس.. بعض العلماء قالوا له: إن المشروع النووي مرتبط بظهور الإمام المهدي فلا تتهاون فيه.
6 ـ ذكر السيد محمد علي الطباطبائي في كتابه طبع المعنون: (مائتان وخمسون علامة) بعض الأوقات كتحديد لسنة ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه في الفصل الحادي عشر بعنوان: حسابات الحروف الأبجدية ودلالتها على توقيت الظهور، وقال: أورد ذلك كبقية العلامات إنما هو لمجرد الاحتمال غير المعتمد.(3)
7 ـ كتب السيد حسين حجازي كتاباً طبع بعنوان: (استعدوا فإن الظهور قريب) وقال فيه ما نصه: بدون أن نحدد تاريخاً للفرج، فإنه بمطالعة هذا الكتاب وبعد التأمل والتريث سنشعر بالآتي (الظهور قريب جداً) بعبارة أدق، حتى كبار السن يجب أن يكونوا على أمل رؤية مولانا في حياتهم.(4)
لم يقتصر توقيت الظهور أو ماله علاقة بالظهور على أتباع أهل البيت عليهم السلام فقط، بل هناك من أهل العامة من يوقت لظهور المهدي المنتظر عليه السلام ومن ذلك.
8 ـ كتب الأستاذ أحمد عبد الله زكي عميش(5) (مصر) كتاباً بعنوان: (ان المهدي المنتظر على قيد الحياة) طبع وفيه يستعرض (12) دليلاً يؤكد أن المهدي على قيد الحياة ـ أي ولد في العصر الحالي من وجهة نظره ـ وفيه يحدد سنة 1430هـ عام خروج المهدي، وقد قال ما نصه: أي نهاية عدَّنا حتى 1430هجرية عندها يخرج المهدي الأمين، أي باقي من الزمن 3 سنوات.(6)
9 ـ كتب الأستاذ بسَّام نهاد جرّار (فلسطين) كتاباً بعنوان: (زوال إسرائيل عام 2022م نبوءة أم صدَف رقميّة) وكلنا يعرف ارتباط زوال إسرائيل بالإمام المهدي عليه السلام.
حجج الموقتين:
كما يعبر عنها من لا يرى(7) أي اشكال في التوقيت، وليس هناك أي حرمة أو نهى لتحديد زمن ظهور الإمام المهدي عليه السلام:
أولاً: إن الأحاديث والروايات الشريفة التي تنهى عن التوقيت مفيدة وليست عامة مطلقة، وهي تفيد تكذيب من ينسب التوقيت إلى أهل البيت عليهم السلام، وذامّة لخصوص التوقيت المنسوب لهم عليهم السلام، أي أن الموقتين كاذبون إذا نسبوا لأهل البيت عليهم السلام توقيتاً لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه لأنهم عليهم السلام لم يوقتوا فيما مضى، ولا يوقتون فيما يستقبل.
ثانياً: هناك رواية تثبت أن الائمة من أهل البيت عليهم السلام قد وقتوا لشيعتهم في يوم ما، ولكن الله سبحانه وتعالى بدا له الأمر وبدل وقت الظهور، كما في هذه الرواية: عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: (يا ثابت إن الله كان قد وقت هذا الأمر في سنة السبعين، فلما قتل الحسين عليه السلام أشتد غضب الله فأخره إلى أربعين ومائة، فلما حدثناكم بذلك أذعتم وكشفتم قناع الستر، فلم يجعل الله لهذا الأمر بعد ذلك عندنا وقتاً، (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)، قال أبو حمزة: فحدثت بذلك أبا عبد الله الصادق عليه السلام فقال: قد كان ذلك(8)) الرواية واضحة ـ وكما يقول ماجد المهدي ـ فلو كان التوقيت محرماً أو ممنوعاً فهل من الممكن للمعصوم أن يرتكب المحرم والممنوع.
ثالثاً: هناك روايات لأهل البيت عليهم السلام تمنع من التسمية للإمام الحجة عليه السلام، بل نفهم من روايات عديدة أن ذكر اسم الإمام المهدي عليه السلام ممنوع ومنهي عنه، بل ومحرم شرعاً، والأكثر من هذا أن هناك رواية بها لعن كل من يسميه في مجمع من الناس.. إذاً فكلنا ملعونون ونحن نسميه(9) باسمه الشريف عليه السلام ليل نهار، في التجمعات وعلى منابر الجوامع والحسينيات وعلى صفحات الإنترنت، ومن منا لا يعرف اسمه عليه السلام ؟!
إذا.. كيف يستقيم هذا مع ما لدينا من أحاديث وروايات عن أهل البيت عليهم السلام ذكروا فيها اسم الإمام المهدي عليه السلام، بل ويوجد لدينا حديث نقل عن أهل البيت عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أسماء الخلفاء أو الأئمة الاثني عشر الذين سيأتون بعده، كلاً باسمه، ومن يقرأ هذا الحديث سيعرف أن اسم الإمام المهدي عليه السلام هو: م ح م د بن الإمام الحسن العسكري.. ولذا يمكن تطبيق هذا على التوقيت كذلك.
رابعاً: الشيخ الكليني في (الكافي) عقد ثمانية أبواب لصاحب الزمان عجل الله فرجه سادسها بعنوان (باب كراهية التوقيت)، روى فيه خبرين عن الإمام الباقر عليه السلام وخمسة أخبار عن الإمام الصادق عليه السلام في نفي التوقيت لظهوره عجل الله فرجه، ويبقى أنه لماذا عبّر عنه بالكراهية دون الحرمة؟.. ويسأل ماجد المهدي عن السبب وراء تسمية الكليني لهذا الباب بكراهية التوقيت وليس حرمة أو منع التوقيت؟.
النهي عن التوقيت: (الروايات والعقل):
يدّعي البعض أنه بالإمكان التوقيت لظهور الإمام المنتظر عليه السلام، ومن خلال البحث ودراسة الأدلة الشرعية والعقلية، نجد أن النهي عن التوقيت من الأمور التي ورد التأكيد عليها في كثير من الأخبار والروايات، وإحالته إلى الله سبحانه وتعالى، ويستفاد من بعض الأخبار أن من وقت له عليه السلام وقتاً فقد شارك الله في علمه، والحكمة الإلهية اقتضت أن يكون وقت الظهور مجهولاً ومكتوماً عن الناس، كخفاء الأمور الأخرى، مثل ليلة القدر، أو وقت الموت.
إن العلة في النهي عن توقيت أو تحديد أو تعيين يوم الظهور يرتبط بالحكمة الإلهية وبالأسرار الكثيرة التي تكتنف سيرتة وحياته عجل الله فرجه كقضية الغيبة مثلا، لذا فالسر الأساس في عدم التوقيت في تقديرنا يرتبط بشؤون علم الغيب.. لذا سنجتهد في استشفاف جزء من حكمة أو علة النهي عن التوقيت، والحكمة من إخفاء وقت ظهوره عليه السلام، ويتضح لنا ذلك من الآتي:
أولاً: تحديد وقت الظهور منهي عنه لروايات عديدة وأخبار كثيرة صريحة في ذلك:
قد دلت عدة روايات شريفة على النهي عن التوقيت، أو تعيين وقت محدد لظهور الإمام عجل الله فرجه، وتكذيب من وَقّتَ لظهوره وقتاً معيناً، لأن ذلك سر من أسرار الله سبحانه وتعالى.. جاء في التوقيع الصادر عن الإمام المهدي عليه السلام بواسطة النائب الثاني محمد بن عثمان العمري: (وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله تعالى ذكره وكذب الوقّاتون)(10).. وجاء في توقيع الناحية المقدسة بواسطة النائب الرابع علي بن محمد السمريَّ: (... فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى..).(11)
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (أبى الله إلا أن يخالف وقت الموقتين)(12).. روى الصدوق عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول: لما أنشدت مولاي الرضا عليه السلام قصيدتي التي أوّلها:
مَدارسُ آياتٍ خَلَت مِن تِلاوةِ
ومنزلُ وحيٍ مقٌفِرُ العَرَصاتِ
فلمّا انتهيتُ إلى قولي:
خُروجٌ إمامٍ لا مَحالةَ خارجٌ
يَقـوم على اسمِ اللهِ بالبركاتِ
يُميِّزُ فينا كُـل حَـقِّ وباطلٍ
ويَجزي على النَعماءِ والنَّقماتِ
بكى الإمام الرضا عليه السلام بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه إليّ فقال لي:-
يا خُزاعيّ، نَطَق روحُ القدس على لسانِك بهذَين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم؟ فقلت: لا يامولاي إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد ويملؤها عدلاً كما ملئت جورا.. فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله عليه السلام ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.. وأما (متى) فإخبار عن الوقت، فقد حدثني أبي، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذريّتكَ؟ فقال: مَثَلُه مَثَل الساعة التي (لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً).(13)
يتبع..