المهدي ابن الإمام الحسن العسكري(ع)
فقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة منها ما عرفته في آخر الفصل السابق في تعيين الأئمة(ع) ومنها:
ما نقله الإمام الشبراوي الشافعي في الاتحاف بحب الاشراف، ص68، ط مصطفى البابي الحلبي بمصر: قال: الثاني عشر من الأئمة أبو القاسم محمد.
ولد الإمام محمد الحجة بن الإمام الحسن الخالص رضي الله عنه بسر من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين قبل موت ابيه بخمس سنين وساق كلاماً في بيان سبب خفاء ولادته.
قال الشبلنجي في نور الابصار، ص168، ط الشعبية.
فصل في ذكر مناقب محمد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ولقبه الإمامية بالحجة والمهدي ثم ساق كلاماً في صفته إلى أن قال ولد محمد بن الحسن الخالص سنة خمس وخمسين ومئتين إلى آخر كلامه.
وتكلم الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص458 ط. الغري حول الحسن العسكري ثم قال وخلّف ابنه وهو الإمام المنتظر صلوات الله عليه..
وقال سراج الدين الرفاعي في صحاح الاخبار، ص55 ط بومباي، سنة 1306 قال في آخر كلامه فالحسن العسكري أعقب صاحب السرداب الحجة المنتظر ولي الله محمد المهدي.
وقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق، ص134 ط. مصر قال حول الحسن العسكري ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة وعمره عند وفاة ابيه خمس سنين لكن أتاه الله فيها الحكمة ويسمى أبا القاسم المنتظر قيل لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب.
وقال الشيخ شمس الدين ابن طولون الحنفي في (الأئمة الاثنا عشر) وثاني عشرهم ابنه محمد بن الحسن ثم يقول بعد ذلك ثاني عشر الأئمة على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجة إلى أن قال كانت ولادته رضي الله عنه يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين ولما توفي ابوه المتقدم ذكره رضي الله عنهما كان عمره خمس سنين. وذكر قريباً منه كمال الدين الشامي الشافعي في مطالب السؤول، ص8، ط طهران.
وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان، ج1، ص571، ط بولاق بمصر. في ذكر محمد بن الحسن المهدي وكانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين.
وقريب منه في تذكرة الخواص لابن الجوزي، ص204، ط طهران.
وكذا الذهبي في العبر، ج2، ص31، ط الكويت.
وكذا في سبائك الذهب، ص78، المكتبة التجارية بمصر.
وكذا ابن الصباغ في الفصول المهمة، ص274، ط الغري.
وكذا في اخبار الدول والآثار الاول، ص117 وص118. لأبي العباس القرماني.
وكذا في اليواقيت والجواهر، ج2، ص143، ط عبد الحميد احمد حنفي المصري.
وكذا غيرهم من المحدثين والحفاظ ولمزيد الاطلاع على ذلك راجع الفصل الخامس والثلاثين وما بعده من كتاب من هو المهدي،، ص427 فما بعد للأستاذ الشيخ أبو طالب.
ومن مجموع كلمات القوم عرفنا ولادته في سنة (255هـ) وبقي علينا أن نبحث أين هو وسبب انقطاعه عن الناس ونتناول طول عمره في الفصل الآتي.
في طول عمره الشريف
بعد أن اتضح أن لكل زمان إماماً ولابد أن يكون من العترة القرينة للقرآن التي لا تفترق عنه بتلك الاوصاف المذكورة وعرفنا استمرار الإمامة بعد النبي وانها تكون في اثني عشر نقيباً وخليفة من بعده وكان الحادي عشر منهم هو الحسن الزكي العسكري ولقد توفي في سنة 260هـ وخلف ولده من بعده ولكنه غاب عن مخالطة الناس فهل بقي حيّاً أم جرى عليه القضاء؟
وهذا سؤال يطرح نفسه في أذهان عامة الناس ولكن قضية طول العمر ليس فيها استغراب إذا كانت بارادة الله تعالى. ألم يذكر أن نوحاً عمّر في قومه 950 سنة قبل الطوفان في التبليغ؟ ألم يذكر أن الخضر حي يرزق؟ ألم يكن عيسى بن مريم حياً عند ربه بنص القرآن (وما قتلوه وما صلبوه)؟ فإذا جرت قدرة الله في عيسى وغيره وقد مضى على ذلك عشرون قرناً فلم يكون ذلك الشك والشبهة في إمام زماننا فإذا كانت الملائكة لهم هذا المقدار من طول العمر بحيث لا يقدر بعدد معلوم فكما أكرمهم الله تعالى بذلك فما الذي يستبعد لمن اعده الله تعالى لنصرة دينه ولاقامة العدل. فإذا اكرم الله تعالى عيسى بذلك فما بالك بالإمام الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه فقضية طول العمر ليست قضية طبيعية حتى تستغرب فإذا نظرنا إلى إرادة الله في ذلك سيزول الاستغراب ولكن هناك سؤالاً آخر يقول ما هي دواعي الغيبة واسبابها وإلى متى تستمر؟
فهذا ما يتكفل به البحث الآتي.
أسباب الغيبة ومقدار استمرارها
لابد قبل الخوض في ذلك أن نتوجه إلى أمر مهم وهو أن الله تعالى وعد نبيّه أن يظهر دينه على الدين كله (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف9، والتوبة33. وفي سورة الفتح 38 آخرها (ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً).
ومن جانب آخر قال تعالى (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) آل عمران 85.
وقال تعالى (إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران19، (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة3، وخلاصة الآيات أن الله تعالى ارتضى الإسلام ديناً بعد أن اكمله ولن يقبل غيره ويريد أن يظهره على الأديان كلها.. فهذه المطالب في الآيات نراها لم تتحقق لحد الآن وكان الله تعالى وعد بها واراد أن يجعل أهل الدين في امان ولهم الإمامة في الأرض كما قال تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً) النور55، فانظر إلى الوعد الإلهي وقال تعالى (ولن يخلف الله وعده) الحج47، فلابد لهذا الدين الحنيف أن ينتصر على الاديان كلها ويسود الأرض ويكون الكل تابعين له دون منازع كما قال (على الدين كله) فلابد لتطبيق هذا الوعد الإلهي من خليفة يقوم بذلك فكما أن النبوة جاءت بأصل الدين فلابد أن يكون إظهار الدين بقيادة تنوب مناب النبوة وهي الخلافة القرينة للقرآن والذي يمثلها الإمام الثاني عشر هذا من جانب الوعد الإلهي ومن جانب آخر أن القيادة المحتاج إليها لتحقيق النصر الإلهي تسير وفق الضوابط الظاهرية كما جاء الرسول(ص) بذلك ولن يخرق القوانين بل يتفوق عليها بالتأييد الإلهي وبالقاء الرعب في قلوب الأعداء.
وكما قال تعالى (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) سورة محمد(ص) 7، وبيّن جريان القواعد العامة؟ البشرية في الطرفين (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) آل عمران 140، (إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) آل عمران 104، وليس معنى ذلك أن الله تعالى ترك دينه أو نبيّه (ما ودعك ربك وما قلى) الضحى3، ولكن التأييد مصحوب معه (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) الروم 3-4، وعليه فلابد أن يكون القائد سائراً على نهج رسول الله(ص) ولابد أن يكون عالماً بدقائقه ولا يتأتى ذلك لأحد إلا لخليفته فلابد أن تكون المؤهلات في القيادة لثورة عالمية قوية بقوة الطرح الذي يشمل كل بقاع العالم هذا من جاب ثان. ومن جانب ثالث انه لابد أن يصل النضوج البشري إلى حد يستوعبون فهم الغاية وهي العدالة على الأرض والحكومة الموحدة ليتعاونوا معها حتى يكون العالم قرية واحدة والقرية عالم كبير ولابد أن يدرك الناس أن تحقيق هذه الامنية العظيمة لا تصلح لأحد إلا إذا كان مؤيداً من الله تعالى ومرتبطاً به روحاً حتى يستظلوا تحت قيادته الحكيمة وهذا يساعد على فهم بُعد امتداد الغيبة بعد معرفة اسبابها الآتية
فلذا ورد في بعض الأحاديث الشريفة كما في باب العقل في أصول الكافي إذا قام القائم مسح الله يده على رؤوس العباد فتكتمل عقولهم، وهذه إشارة إلى اللطف الرباني والعناية بالناس بحيث يساعدهم باعطائهم الاستعداد والقوى لفهم القيادة المسددة من قبله تعالى.
ونجمع هذه التمهيدات في مقدمات حتى تتبيّن أسباب الغيبة بوضوح.
إن الوعد الإلهي محتم بنصرة الدين الذي ارتضاه واظهاره على الدين كله في كل المعمورة.
استخلاف المؤمنين الذين عملوا الصالحات.
احتياج هذا الأمر إلى قيادة عالمية تستوعب جميع المعارضات.
إن هذه القيادة لا تكون إلا بمستوى النبوة أو ما يقوم مقامها وهي الخلافة.
بما أن الوعد حق ولم يتحقق سابقاً فلابد أن يتحقق لاحقاً ومستقبلاً دون شك وريب.
ومن جانب آخر لابد من ملاحظة الظروف التي كانت محيطة بالإمام من حيث الحكام ومن حيث مهام الإمامة فاما الظروف والملابسات عند الحكام فان بني العباس كانوا قد احاطوا ببيت الإمام الحسن العسكري وكانوا قد وضعوا عليه العيون حتى يتعرفوا على وجود الأولاد عنده فلذا كانت ولادة ولده في خفاء شديد مع ملاحظة تجبر الحكومات الطاغية في ذلك الزمان حتى عرف الحكام بالخمر والمجون واللهو واللعب وترك المسلمين في جانب آخر وهذا واضح لمن راجع تاريخهم فلو عثروا على الإمام لقتلوه مع ملاحظة الظرف الظاهري الذي تحتاجه القيادة لتحقيق النصر الإلهي حيث مر الناس بتجربة سابقة في عهد الإمام الجواد حيث تصدى للإمامة وهو طفل في السابعة وكذا الإمام الهادي(ع) حيث كان في الثامنة من عمره كان ذلك تهيئة لنفوس الناس للإمام الحجة(عج) ومع ذلك حصل الاختلاف لعدم تقبلهم للقيادة ولو كانت مؤيدة من قبل الله تعالى وهذا ملاحظ في العصور السابقة حيث قد رأى اليهود من مريم(ع) ذلك الطفل المعجزة وهو ينطق في المهد فمع ذلك لم يقبلوا بل طاردوه وحاولوا قتله حتى ادعوا انهم قتلوه وصلبوه ونفى القرآن ذلك وهو دليل على إيجاد الأذى له قصد التعدي عليه وقد لوحظ أيضا في يحيى بن زكريا حيث قتل وهو شاب وهكذا حصل لكثير من أنبياء الله تعالى فلابد أن يلاحظ الجو العام للقيادة وان تهيأ النفوس له فكونه بذلك السنّ الظاهري يوجب النزاع وقد حصل قبل ذلك في قيادة اسامة بن زيد وتأميره على الجيش من قبل النبي(ص) وعارض ذلك جماعة بل رفض جماعة تسلّم علي(ع) لزمام الأمور محتجين بأنه شاب ويوجد من هو اكبر منه فلابد إذن من تكميل النفوس وذلك يحصل بالتسليم لأمر السماء والنضوج الفكري والصحوة العامة.
فإذا كان الإمام ظاهراً في ذلك الوقت فما عسى أن يفعل به؟ هل يترك؟ لا شك تجري عليه السنن التي جرت على آبائه فكان من الحكمة الإلهية أن يخرج من بين الناس لئلا يقتلوه فإن قلت قد ادخره الله لنصره فكيف يقتلوه قلنا إن هذا الأمر طبيعي فلذا خرج رسول الله(ص) من مكة حين احس بالخطر كما خرج موسى من ذي قبل حينما جاءه رجل من اقصى المدينة واعلمه بنوايا القوم ولابد للانتباه أن خروج الإمام مع عدم توفر بقية الشروط يكون خلافاً للحكمة إذ الحكمة الإلهية اقتضت ادخاره لنصرة الدين والنصر لا يتم إلا بعد وجود العدة والعدد فقد قال تعالى (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) فلاجل تطبيق العدالة في الأرض لابد من وجود انصار له. لهم الكفاية بمقدار الطلب الذي تحتاجه الأرض بمعنى انه لابد أن يكون هناك عدد كاف من قبل الإمام ليتسنى لهم استلام زمام الأمور حتى لا يخالفوا الإمام في شيء ليتمكن من بسط العدالة على الأرض كما ورد في الحديث النبوي الشريف (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً) فلابد من أفراد مكتملين في الإيمان والعقل والتسليم لطاعة الله ورسوله وأولي الأمر لئلا يجري في زمانه ما جرى في الازمنة السابقة من مخالفة النبي من قبل بعضهم مع أن الله تعالى قال لهم (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيها شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً)
فعارضوا النبي في بعض امورهم، ولأجل بسط العدالة في كل المعمورة فلا يمكن كل يوم تنصيب شخص ثم عزله وتعيين آخر محله وهكذا بل لابد أن يكونوا راسخين في الإيمان والتقوى والتسليم حتى يتحقق الهدف المرسوم لهم مع ملاحظة مستوى فهم الناس ومعرفتهم باحتياجهم الأكيد لتلك القيادة حتى يسلموا لها.
وخلاصة ما تقدم يكون في نقاط مترابطة وهي:
الوعد الإلهي المحتم لنصر دينه الذي ارتضاه واظهاره على الأديان كلها.
استخلاف المؤمنين.
احتياج الأمة إلى قيادة عالمية تستوعب كل المعمورة.
لا تتسنى القيادة لأي شخص بل لابد أن يكون بمستوى النبوة أو ما يقوم مقامها.
عدم تحقق المواعيد الإلهية للأمور الماضية مع صدقها فلابد من تحققها في المستقبل.
الملابسات والظروف للحكام كانت تقتضي القضاء عليه لو كان ظاهراً.
عدم استيعاب الأمة للقيادة كما مرت التجارب السابقة بها.
عدم توفر أفراد لقيادة الولاية من قبل الإمام على اطراف المعمورة.
عدم وجود نضوج عام لمستوى البشر حتى يمكن استيعاب الجميع.
ومع ملاحظة هذه الأمور فلابد من أن تقضي الحكمة الإلهية الغيبة حتى تتوفر الشروط المطلوبة ولو كان غير ذلك لكان خلاف الحكمة الإلهية فادخار الإمام لهذا الأمر العظيم حتى يقف عيسى بن مريم يصلي خلفه يقتضي الغيبة كما اقتضى رفع عيسى بن مريم فلذا ورد في بعض الروايات انه يعطى الرجل من أصحابه قوة أربعين رجلاً وهذه إشارة إلى التكامل المطلوب لهذه المهمة العظمى وبهذا يتضح أن قضية الغيبة ليست امراً خلاف الحكمة أو امراً غريباً بل لابد منها ويستمر هذا الأمر حتى تقتضي الحكمة الإلهية الظهور بتوفر الشروط بشكل طبيعي أو بلطف رباني ولا يتحدد ذلك بأمد بل هو تابع لصحوة العالم اجمع وتوجههم نحو ذلك الهدف باعداد النفوس وهو معنى الانتظار.
عبد الكريم الحائري
الهوامش:
(1) راجع في ذلك أحاديث المهدي من مسند احمد بن حنبل وقد نقل 136 حديثاً في مختلف شؤونه وحول الخلافة والامارة في مقدمته 35 حديثاً. أخذنا منها ثلاثة ولم ينفرد احمد بذلك بل نقل ذلك مسلم أيضا وغيره من أئمة الحديث. ولمزيد الاطلاع راجع كتاب (من هو المهدي) في الفصول الأولى تعرض لنقل الأحاديث من كتب الصحاح والسنن والمسانيد.
منقول