احمد امين مشرف منتدى الفكر الاسلامي وثقافة اهل البيت
عدد الرسائل : 161 العمر : 44 تاريخ التسجيل : 21/11/2007
| موضوع: مهدي السلفية التكفيرية الأحد يناير 20, 2008 6:20 am | |
| مقال من مجلة الانتظار الصادرة عن مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف مدّعو المهدوية مهدي السلفية التكفيرية وحركة جهيمان العتيبي الدكتور حسين سامي شير علي كلية الشيخ الطوسي الجامعة/ النجف
مع بزوغ غرة محرم الحرام من العام 1400 هـ الموافق 20 نوفمبر 1979م دخل المدعو جهيمان العتيبي مع ما يقارب المئة من أصحابه الى المسجد الحرام في مكة المكرمة لأداء صلاة الفجر، وكانوا يحملون نعوشاً، وأوهموا حراس المسجد الحرام إنها نعوشاً لموتى، وسيصلّون عليها صلاة الميت بعد صلاة الفجر، وفي الحقيقة أن هذه النعوش لم تكن إلاّ مخازن للأسلحة الرشاشة وذخائرها. وما أن انفضت صلاة الفجر حتّى قام جهيمان وصهره المدعو محمّد بن عبد الله القحطاني أمام المصلين في المسجد الحرام ليعلنوا للناس نبأ المهدي المنتظر وفراره من أعداء الله واعتصامه في المسجد الحرام، وقد قدّم جهيمان صهره القحطاني بأنه المهدي المنتظر مجدد هذا الدين في ذلك اليوم من بداية القرن الهجري الجديد!! ثم قام جهيمان وأتباعه بمبايعة (المهدي المنتظر) بين الركن والمقام، وطلب من جموع المصلين مبايعته، وأوصد أبواب المسجد الحرام، ووجد المصلّون أنفسهم محاصرين داخل المسجد بما فيهم النساء والأطفال. وفي الوقت نفسه كانت هناك مجاميع أخرى من أتباعه يقومون بتوزيع منشورات ورسائل وكتيبات كان جهيمان قد أعدّها مسبقاً في السعودية وبعض دول الخليج. وبعد ثلاثة أيام أُخلي سبيل النساء والأطفال، وبقي كمّ لا بأس به من المحتجزين في داخل المسجد. حاولت الحكومة السعودية منذ اللحظات الأولى حلّ هذه المشكلة ودياً مع جهيمان بالاستسلام والخروج من الحرم وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين، إلاّ أنه رفض. عطّلت الصلاة والمناسك في البيت الحرام، وتبادل الطرفان اطلاق النيران الكثيفة، وأصاب المسجد ضرر بالغ جراء هذه الأحداث، وعندما نفد صبر الحكومة السعودية، تدافعت قواتها معزّزة بقوات الكوماندوز في هجوم شامل على الحرم استخدمت فيه تقنيات عسكرية جديدة وخبرات أجنبية لم يعهدها جهيمان وأتباعه، فسقط منهم الكثير، وكان ممن سقط قتيلاً صهره محمّد بن عبد الله القحطاني الذي كانوا يدّعون أنه المهدي المنتظر، وبسقوطه قتيلاً صدم أتباع جهيمان صدمة كبيرة، فهم كانوا يعتقدون أنه لا يموت، فبدأوا بالانهيار والاستسلام تباعاً، وسلَّم جهيمان نفسه ومن بقي من أتباعه. بعد فترة وجيزة صدر حكم المحكمة بإعدام 61 شخصاً من أفراد الجماعة، وكان جهيمان من ضمن قائمة المحكومين بالاعدام، لتنتهي بذلك قصة أول حادث للتطرف الديني يسجّل في السعودية. سيرة زعماء الحركة: عمل جهيمان بن محمّد بن سيف العتيبي موظفاً في الحرس الوطني السعودي لمدة ثمانية عشر عاماً، درس الفلسفة الدينية في جامعة مكة المكرمة الاسلامية، وانتقل بعدها الى الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة، وفي المدينة المنورة التقى جهيمان بشخص يدعى (محمّد بن عبد الله القحطاني) وهو أحد تلامذة الشيخ عبد العزيز بن باز. توطّدت العلاقة بين الرجلين، خاصة أنهما إلتقيا فكرياً في العديد من الرؤى الايدلوجية المتطرفة، من حيث تكفير الدولة، بل وتكفير المجتمع بأكمله، والتزمّت الشديد مما أدى الى اعتزالهما المجتمع ورفض معالمه المدنية من راديو وتلفزيون وصحافة... وغيرها. ومما زاد في تقاربهما زواج القحطاني بشقيقة جهيمان العتيبي. بدأ جهيمان وصهره بنشر أفكارهما المنشودة التي تعدّ كل ما هو جديد من البدعة والخروج عن الدين، بشكل سري وعلى نطاق ضيق في بعض المساجد الصغيرة في المدينة المنورة، ومن ثم فقد لقيت هذه الأفكار صدىً إيجابياً عند البعض، وأخذت الجماعة التي أسّسها جهيمان تكبر، حتّى وصل عدد أفرادها إلى الآلاف. ولم يدّخر جهيمان وجماعته جهداً في معاداة الأنظمة الحاكمة لأنها لا تحكم بشرع الله، وكان هذا جلياً في الرسائل التي كتبها بنفسه أو من قبل أتباعه، كما يؤمن بهجر المجتمع ووسائله المدنية والانعزال عنه، نظراً لتفشي الفساد والرذيلة في المجتمع وبُعده عن الصراط المستقيم، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر يرى جهيمان وأتباعه ضرورة عدم موالاة الأنظمة التي لا تحكم بشرع الله ولا تنتهي بنواهيه. يروي الشيخ فلاح إسماعيل مندكار بعض سيرة القحطاني وهو ممّن التقى به: (كنت أعرف محمّد بن عبد الله القحطاني معرفة شخصية، وقد زارني في منزلي في الكويت عدة مرات، وكان حافظاً للقرآن، وكان رجلاً زاهداً وبكّاء، لا يستطيع أن يمسك نفسه من البكاء إذا قرأ القرآن، وكان رحمه الله حافظاً للبخاري ومسلم، وكان شيخاً صاحب علم، ولكنه افتتن بالرؤيا حيث كان يأتيه الناس من المشرق ومن المغرب ويقولون إنك أنت المهدي المنتظر، وكان هذا الموضوع يضايقه رحمه الله، ودخل عليه الشيطان من هذا الطريق نسأل الله السلامة والعافية، وعندما سألت شيخي الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله في وقتها حول هذا الموضوع ومدى صحته، ردّ رداً قوياً وقال لي: منذ متى ونحن نأخذ الشريعة من الأحلام والرؤيا، نحن نأخذ شريعتنا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه واله وسلم .... أما جهيمان فهو كان من طلبة الشيخ ابن باز، وكان الشيخ ابن باز له منزل في المدينة أيام كان رئيساً للجامعة الاسلامية أعطته إياه الحكومة لكي ينشر العلم فيه، وكان هذا المنزل ينافس الجامعة الإسلامية من حيث نشر العلم، فكان العلماء الكبار يقيمون فيه الدروس أمثال الشيخ ابن باز والشيخ الألباني والشيخ الشنقيطي، ـ والحديث لا زال للشيخ فلاح ـ وكان الشيخ ابن باز يقوم بابتعاث الطلبة الذين يحضرون الدروس في هذا المنزل كل عطلة نهاية الاسبوع إلى القرى المجاورة لنشر العلم للعوام، وكان من الذين يبعثهم جهيمان العتيبي الذي أعطاه الشيخ ابن باز المنزل بما فيه مع زملائه الطلبة لكي يستلموا مهمة نشر العلم في هذا المنزل، وبدأت الفتنةعندما أتى جهيمان ثلاثة أشخاص من إحدى دول شمال افريقيا وهم يحملون فكر التكفير، وكان جهيمان مستاءً من بعض الأمور التي بالدولة ويقال أنّ أحدها دخول التلفزيون على السعودية، فاستطاعوا أن يُلقوا الشبه في قلب جهيمان. وعندما علم جهيمان بخبر القحطاني رتّب كل شيء من الرجال والأسلحة والطلبة لكي يبايعه في مكّة وأمام الناس، وكان هذا الأخير متردداً، ولكن وهو في الطريق الى مكة ذهب الى قرية لكي يستريح هو بها ومن معه وهو ذاهب الى البئر لكي يأتي لأصحابه بالماء، فإذا بامرأة عجوز واقفة تنظر إليه نظرة التفحص، وقالت له: أأنت محمّد بن عبد الله؟ قال: نعم يا أماه، هل من حاجة؟؟ قالت: والله إني رأيتك في المنام أنك أنت الذي في مكة تحرر الناس وأنت المهدي المنتظر!! ففكر القحطاني في نفسه قائلاً: منطقة أول مرة آتها وامرأة عجوز لم أرها في حياتي تعرفني وتعرف اسمي وتقول لي أنت المهدي المنتظر؟؟ والله أعلم أن هذه المرأة شيطان يلبس عليه الأمر. وقال لي ـ والحديث لا يزال للشيخ فلاح ـ بعض الأشخاص الذين كانوا في الفتنة أنه حصل خلاف بين محمّد بن عبد الله القحطاني وجماعته في اليوم السادس بعد احتلال الحرم، حيث علم محمّد أن هذه فتنة وأنه ليس المهدي المنتظر، وقال: يجب أن نسلّم أنفسنا للسلطة، ورفض أحد الأفغان الذين كانوا معه، وقُتل في وقتها، لأن القوات لما دخلت الحرم وجدت جثة القحطاني متعفنة وهو مقتول من أول أحداث الفتنة والله أعلم... والشاهد عندما ألقي القبض على جهيمان أو سلّم نفسه لا أعلم... حاولت وزارة الداخلية أن تأخذ منه أي معلومة فلم يتكلّم بأي كلام، حتّى أتوه ببعض مشايخ المدينة وعلى رأسهم الشيخ الشنقيطي رحمه الله، وعندما رآهم جهيمان احتضن الشيخ وقام يبكي بكاء شديداً، وقال له الشيخ: يا جهيمان أنا لدي أسئلة من وزارة الداخلية أوصوني بها، ولكن أريد أن أسئلك: لماذا فعلت هذا؟ فردّ عليه قائلاً: يا شيخ ان هذه فتنة وقعنا بها، واحمدوا الله أنه أنجاكم منها، وادعوا لنا الله عسى أن يغفر لنا ويتوب علينا، ثم سكت وبعد يومين اقتص منه. وعندما سُئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن جهيمان كان يترحم عليه ويقول: إن جهيمان ليس بصاحب أفكار ومعتقدات الخوارج ولكنه افتتن بهذه الحادثة، ونسأل الله أن يرحمه). الجذور الفكرية للحركة: من الواضح من خلال السرد التأريخي الذي قدمه لنا بعض المعاصرين لحادث اقتحام الحرم المقدس أنّ الدور الذي قام به القحطاني هو دور شخص بسيط لا يمتلك من القواعد الفكرية الرصينة أو الشخصية القوية ذات الأبعاد الفكرية الواضحة شيئاً، وإنما كان مجرد أداة استخدمها جهيمان لتنفيذ أغراض سياسية، متحصناً خلف رواية سنية ضعيفة تصف قدوم المهدي المنتظر وأنه من آل بيت الرسول صلى الله عليه واله وسلم واسمه محمّد واسم أبيه عبد الله، يلوذ بالمسجد الحرام هرباً من أعداء الله. وقد اكتملت أطراف المعادلة في ذهن جهيمان باقتراب حلول القرن الهجري الجديد وبصهر يسمى محمّد بن عبد الله رأى في منامه إنه هو المهدي المنتظر وانه سوف يحرر الجزيرة العربية والعالم كله من الظالمين، ولم يكن ينقص المعادلة الا بيت الله الحرام ليلوذ اليه المهدي وهذا ما تمّ فيما بعد كما سبق. وهكذا كان دور المهدي في هذه المعادلة دوراً ثانوياً تكميلياً، اذ لم يكن يمتلك زمام المبادرة والقيادة أولاً، ولم يكن متسلحاً بعقيدة راسخة بالقضية المهدوية حيث ان الأمر لا يعدو الرؤيا، ولذلك كان متردداً بين الاقدام والتراجع في حين كان بعض اسلافه من الأدعياء نجحوا بفضل إقدامهم وجرأتهم على تأسيس دول وانشاء حكومات دامت قروناً من الزمان، ومن ثم فقد تراجع لدى أول تهديد بالخطر مما أدى إلى قتله سريعاً. وبذلك انهارت عقيدة المعتقدين بمهدويته من الاتباع وانتهى كل شيء في ساعات معدودة. أما جهيمان ففي الواقع إنه اضطلع بدور رئيس في هذه الحركة من الناحيتين الفكرية والسياسية، فلم تكن حركته مجرد فكرة طارئة على الساحة الدينية كما هو حال الجماعات الاسلامية اليوم، وإنما كانت امتداداً لتيار الإخوان القديم الذي قامت على أكتافه دولة آل سعود الثانية حيث تبنى جهيمان طرح الإخوان المعادي للواقع وكلّ ما هو حديث، فرفض التصوير وجهاز التلفزيون والإذاعة والصحف وكتب المعاصرين، واعتبرها جميعاً من البدع، وأجاز تقصير الثياب وإطالة اللحى والصلاة بالنعال في المساجد، والشيء الوحيد الذي ميّز جهيمان عن الإخوان هو تبنّي جهيمان فكرة المهدي وإعلان ظهوره من بين أفراد الجماعة، ورغم أنّ رسائله التي تحدد فكر الجماعة ومنطلقاتها تكشف لنا عن موقفٍ معادٍ للحكم السعودي وللفقهاء المتحالفين معه، الاّ ان هذا الموقف لا يعكس بُعداً سياسياً في حركة الجماعة، فهي بعيدة كل البعد عن هذا الجانب. وكل ما في الأمر أن هذه الجماعة انشقّت عن الخط السلفي الوهّابي السائد وتبنّت أطروحة أكثر تشدداً وانغلاقاً في مواجهة الواقع، مما أدى إلى وقوع تناقضات واضحة في فكر الجماعة وأهدافهم المتمثلة بالمجتمع الذي يعمل بما أنزل الله وبين اعتزال الجماعة للمجتمع المراد تغييره، ومن جهة أخرى فقد تبنّت هذه الجماعة القول بعلامات وفتن آخر الزمان وظهور المهدي ونزول عيسى من السماء بالاضافة إلى موقف الرفض تجاه آل سعود، وكل ذلك إنّما يؤكد حالة التناقض الداخلي الفكري، ولم يكن هناك حل أو مخرج لهذا التناقض سوى تبنّي فكرةظهور المهدي التي تحوّلت من مجرد تصوّر إلى واقع حين اكتشفت الجماعة أن العلامات الخاصة بالمهدي والصفات المتعلقة بشخصه تنطبق نوعاً ما على أحد أفراد الجماعة، فبايعوه على الخروج لتتحقّق على يديه النبؤات التي أشارت إليها الأحاديث النبوية. وأولى هذه النبؤات هي: أن المهدي سوف يلوذ حين ظهوره بالحرم المكي، وعندما تحاصره جيوش الكفر عندئذٍ يخسف الله بها، وبهذا التبرير الشرعي اقتحم جهيمان ومجموعته الحرم، وبتبرير شرعي آخر دكّت القوات الفرنسية والأردنية والسعودية الحرم المقدس وكان ما كان. الدولة وفقهاؤها في مواجهة الحركة: كان حصار جهيمان العتيبي ومحمد بن عبد الله القحطاني مع العديد من الأتباع السعوديين والعرب والأفغان وغيرهم في الحرم المكي المظهر الأسطع لما كان يعتمل من توتّر في المجتمع السعودي، كان قائد العملية جهيمان واعظاً نشطاً غامر بأبداء آرائه حول الحاكم الاسلامي العادل والعلاقات مع القوى الكافرة والنزعة المادية والفساد والعلاقة بين العلماء والسلطة وطالب بعزل آل سعود من الحكم، لذلك عمدت الحكومة إلى استنفار العلماء، وأصدرت إدارة البحوث العلمية والافتاء فتوى تدعم الفئة الحاكمة وتجيز التدخل العسكري في الحرم المقدس. إنّ رسالة المهدويين الجدد طغى عليها إعلانهم أن زعيم الحركة الروحي محمّد القحطاني هو (المهدي المنتظر) الذي كان مفهوماً خلافياً في الإسلام السني، واستثمرت الحكومة هذا الخلاف للنيل من المتمرّدين، وشرع كبار العلماء في إجراء مناظرة لاهوتية حول صفات المهدي الحقيقي طامسين بذلك المعارضة السياسية التي كانت أساس التمرد، وخلص العلماء إلى أن القحطاني لا يمكن أن يكون المهدي المنتظر حقاً، مبررين بذلك إخماد الحركة داخل المسجد، لكن الفئة الحاكمة ومعها طبقة الفقهاء أدركوا أن التمرد لم يكن حول مهدي مزيف أو حقيقي، بل كان حول تطور أسفر عن نتائج اجتماعية متناقضة وتواترات لم تكن تتوقعها حكومة رفعت لواء التحديث دون توفير أرضية جديدة للشرعية، فلقد كان حصار المسجد جزءاً لا ينفصل من نتائج التحديث المادي إبان السبعينات، وهو كان يقظة سياسية استندت إلى خطابية دينية أصبحت أكثر تمفصلاً برعاية مراكز العلوم الدينية في المملكة وفي ظل التربية والتعليم ومناهجهما الجديدة. ولذلك فقد واجهت الحكومة ـ في طريقة تعاملها مع الحادث ـ انتقاد بعض الفقهاء، لأنها تصرّفت بالهجوم على الحرم المقدس دون استصدار فتوى شرعية متجاهلة الموقف الشرعي الفقهي من هذا التصرف.
منقول | |
|
احمد امين مشرف منتدى الفكر الاسلامي وثقافة اهل البيت
عدد الرسائل : 161 العمر : 44 تاريخ التسجيل : 21/11/2007
| موضوع: رد: مهدي السلفية التكفيرية الأحد يناير 20, 2008 6:23 am | |
| تتمة...
تذكر المصادر المعاصرة أن آل سعود جمعوا الفقهاء وأجبروهم على صياغة فتوى يشير نصها إلى أن وقت صدورها يسبق قيام الحكومة بالهجوم على الحرم، ولم يصدر أي شجب أو استنكار من قبل أغلب الفقهاء، فقد استسلموا وأطاعوا مخافة أن يقعوا في محذور شرعي لو تبنّوا موقف الرفض، فالحاكم واجب الطاعة وشرّ الأعمال الخروج عن الجماعة. والظاهر أن الأمر لم ينته عند حدّ الاستغناء عن الفقهاء في مواجهة الحادث، بل تجاوزه إلى الاستغناء عنهم في محاكمة المتهمين، حيث صدرت الأحكام بسرعة وبأوامر ملكية دون أن يكون للفقهاء أي علم أو دور، مما أثار حفيظة بعضهم الذي طالب بتولي أمر محاكمة المتهمين، ولما رُفض طلبهم رفضوا بدورهم التوقيع على الأحكام الصادرة ضد جهيمان وأتباعه، الأمر الذي حدا بالحكومة إلى إعادة صياغة فتوى ثانية يتّضح فيها الحرص على تضمينها بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تنوّه إلى ضرورة معاقبة المفسدين وبشدّة. وقد جاء في الفتوى الأولى التي تجاهلت رأي الفقهاء والتي أصدرها خالد بن عبد العزيز وقام بتنفيذها شقيقه نايف وزير الداخلية آنذاك والصادرة بتاريخ 19/ 2/ 1400هـ الموافق 7/1/1980. اطلعنا على ما رفعتموه ـ أي نايف ـ لنا من الاعترافات التي أدلى بها المجرمون الذين اعتدوا على الحرم وأدخلوا فيه السلاح والذخيرة وأغلقوا أبوابه على المسلمين الذين أدوا فيه صلاة الفجر في اليوم الأول من شهر محرم عام 1400 هـ، وقد روّعوا المسلمين في الحرم الذي جعله الله للناس أمناً، وسفكوا الدماء البريئة بغير ذنب، وأجبروا الناس في الحرم على مبايعة أحد أفراد الفئة الضالة المفسدة زاعمين أنه المهدي، وهددوا من لم يستجب بالسلاح كما هو مسجل في إحدى خطب هذه الفئة الظالمة التي ألقاها أحد رؤوس الفتنة صبيحة عدوانهم على الحرم، واستناداً على فتوى أصحاب الفضيلة العلماء بقتالهم مستدلّين بقوله تعالى: (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) ولأن هيئة كبار العلماء قد أصدروا في دورة مجلسهم الخامسة عشرة بياناً استنكروا فيه هذه الجريمة الخطيرة، وهذا البيان من الهيئة لواقع هؤلاء المجرمين يحتّم علينا معاقبتهم عقوبة تزجر عن الفساد ونُرضي بها ربنا سبحانه، ولأننا تلقينا الفتاوى التي تبين جزاء هؤلاء منهم ما هو مشافهة من عدد من العلماء ومنهم ما هو محرر من عدد آخر من كبار العلماء وفيها قولهم ما نصه: نفيدكم ـ سلمكم الله ـ أن هؤلاء لهم حكم المحاربين الذين قال الله فيهم (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَْرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَْرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) وقال العلماء في فتواهم: وما دام الجميع اعترفوا بجريمتهم بالقتل والفساد في حرم الله فيجوز للإمام قتلهم. وعلى هذا فاعتمدوا قتل الاشخاص الموضّحة أسماؤهم بالبيان المرفق إرضاء لله سبحانه وغضباً لحرمة بيته وحرمة عباده الذين يعبدونه حول البيت وشفاء لغيظ المسلمين، وهؤلاء هم الذين صدرت منهم الاقرارات المسجلة في سجلات محكمة مكة المكرمة لدى عدد من القضاة. ومن الواضح أن هذا البيان قد تجاهل أسماء الفقهاء الذين وافقوا مشافهة أو بجواب محرر مكتوب، مما يدل على أن البيان صدر دون مشورتهم أو علمهم، لا سيما إذا علمنا بأن الحكومة السعودية كانت تحرص دائماً على تعضيد بياناتها بأسماء وتواقيع عدد من العلماء اللامعين تأكيداً على شرعية تلك البيانات وموافقها لأحكام الدين. وعندما استشعرت الحكومة هذا الخلل في الفتوى الأولى حرصت على إصدار فتوى أخرى على لسان الفقهاء، وهي تشابه إلى حد ما منطوق الفتوى الأولى بكونها صادرة عن القصر الملكي لا عن هيئة كبار العلماء. تقول الفتوى الثانية: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبيه محمّد وعلى آله وصحبه، وبعد، ففي يوم ثلاثاء اليوم الأول من شهر المحرم عام أربعمائة وألف من الهجرة دعانا نحن الموقعون أدناه جلالة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود، فاجتمعنا لدى جلالته في مكتبه، وأخبرنا أن جماعة في فجر هذا اليوم بعد صلاة الفجر مباشرة دخلوا المسجد الحرام مسلّحين واغلقوا أبواب الحرم وجعلوا عليها حراساً مسلحين منهم وأعلنوا طلب البيعة لمن سموه المهدي وبدأوا مبايعته ومنعوا الناس من الخروج من الحرم وقاتلوا من مانعهم وأطلقوا النار على أناس داخل المسجد وأصابوا غيرهم، وانهم لا يزالون يطلقون النار على الناس خارج المسجد، واستفتانا بشأنهم وما يعمل فيهم، فأفتيناه بأن الواجب دعوتهم الى الاستسلام ووضع السلاح، فإن فعلوا قبل منهم وسجنوا حتّى ينظر في أمرهم شرعاً، فإن امتنعوا وجب اتخاذ كافة الوسائل للقبض عليهم، حتّى لو ادى ذلك الى قتالهم وقتل من لم يحصل القبض عليه منهم الا بذلك لقوله تعالى: (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) ولقول النبي صلى الله عليه واله وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم ويشقّ عصاكم فاضربوا عنقه) رواه مسلم، والآيات والأحاديث كثيرة في هذا المعنى، ونسأل الله تعالى أن يعلي كلمته وينصر دينه وأن يخذل من أراد الإسلام والمسلمين بسوء، وأن يشغله بنفسه انه سميع مجيب وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم. ومرة أخرى أحس آل سعود بأن هذه الفتوى غير كافية وغير مقنعة للرأي العام، فألحقوها بفتوى ثالثة أكثر انضباطاً ووضوحاً وأدق صياغة من الجانب الفقهي جاء فيها: (الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمّد وعلى آله وصحبه، نسأل الله أن ينصر دينه ويُعلي كلمته ويخذل من أراد الإسلام والمسلمين سوءاً، وأن يُعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يكبت من أراد الفساد والالحاد في حرم الله وانتهاك حرمته وسفك دماء المسلمين، وبعد.. فإن هذا العمل الشنيع الذي قامت به هذه الطائفة الظالمة التي انتهكت حرمة الله وأقدس بقعة في أرضه وسفكت فيه الدم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام وفي رحاب الكعبة المشرفة وروّعت المسلمين الآمنين في أمن الله وحرمه، عملٌ مخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه واله وسلم وإجماع الأمة، ويعتبر منكراً عظيماً واجراماً شنيعاً وإلحاداً في حرم الله الذي قال الله فيه: (مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ)وقال سبحانه وتعالى: (مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ), وصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وله وسلم أنه قال: (ان الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرمة الله الى يوم القيامة وإنها لم تحلّ لأحد بعدي وإنما أحلّت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلّغ الشاهدُ الغائبَ، متّفق عليه.. وهذه الطائفة تجرأت على مخالفة أمر الله وأمر رسوله وإجماع الأئمة، ولذلك سأل ولاة الأمور عن الحكم لمكافحة شر هؤلاء، فصدرت الفتوى الشرعية بأن على ولي الأمر يقضي على فتنتهم باتّخاذ كافّة الوسائل ولو أدّى ذلك إلى مقاتلتهم إن لم يندفع شرهم الاّ بذلك، لقوله تعالى: (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) وهذه الآية وإن كانت نازلة في الكفار فإن حكمها شامل لهم ولغيرهم ممّن فعل فعلتهم فاستحلّ القتال في الحرم، بإجماع العلماء ولقول الرسول: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشقّ عصاكم فاضربوا عُنقه كائناً من كان). وهذا حكم من يدّعي أنه المهدي وغيره، وهذه الطائفة أرادت شقّ عصا المسلمين وتفريق كلمتهم والخروج على إمامهم، فدخلت في عموم الحديث وغيره من النصوص الشرعية الدالّة على معناه، وولاة الأمور وفّقهم الله لكل خير مشكورين على ما قاموا به من جهد لاخماد هذه الفتنة والقضاء عليها، فنسأل الله أن يعزّ بهم الإسلام والمسلمين وأن يوفّقهم لما فيه صلاح البلاد والعباد إنه سميع مجيب وصلى الله على سيدنا محمّد وآله وصحبه وسلم. وقد وقع على هذه الفتوى 27 عالماً على رأسهم عبد العزيز بن باز. ومن الواضح أن نصّ الفتوى الأخيرة يختلف عن الفتاوى السابقة بتركيزه على الاستشهاد بالكتاب والحديث على إدانة المتمردين، وبذلك نلحظ طغيان الطابع الفقهي فيها على خلاف غيرها مما شابه القرارات التي تصدرها المحاكم الرسمية. والذي يدقق في هذه الفتوى يجد أنها وضعت بعد انتهاء الحادث والقضاء على التمرد، في حين أنها يجب أن تكون قد صدرت قبل تحرك القوات لسحق المعتصمين في الحرم. وهذه الوثائق الفتوائية الثلاث بمختلف اللهجات التي صدرت بها تعكس مجموعة تواترات كانت تتجاذب الحكومة التي تحاول فرض سيطرتها على نوع الفتوى على وفق ما يتناسب مع سياساتها من جهة، وطبقة الفقهاء التي تحاول بدورها أن تخلق مجتمعاً مفتهياً يعتمد في جميع تصرفاته الكلية والجزئية الشخصية والعامة على الفتوى من جهة أخرى، ولكن هذه الطبقة بطبيعة الحال تدرك أن مصير الخط الوهابي الذي تعتنقه ومستقبله يرتبط بمصير ومستقبل آل سعود في حكم البلاد، فإن سقط آل سعود سقطت الوهابية وسقطوا هم بالتالي من وراءها، ومن ثم فإن طبقة الفقهاء لا خيار أمامها للتصدي لإرادة الحكومة، وبالتالي فإنها لابد أن تسير في ركاب السلطان شأنها شأن أسلافها في ذلك. ونتيجة لإذعان الفقهاء الكبار المستمر للخط الحكومي حتّى أصبحت المصادقة على قرارات الملك أمراً لابد منه للحفاظ على مكانة الفقيه ومركزه حين أصبح موظفاً في مؤسسات الدولة. أقول: نتيجة لذلك وُلد تيار شبابي من طلبة العلوم الدينية يناهض طريقة الكبار في التعامل مع الدولة، ويتحدث أحد علمائهم عن هذه الظاهرة قائلاً: (.. فجماعة جهيمان في أصلها كانت تسير سيراً حميداً، فهم تلاميذ لكبار علماء المملكة المشهود لهم بالسلفية، فكانوا حفّاظاً ونساكاً ودعاة ومحل تزكية من العلماء وولاة الأمور، هكذا كانوا في بدايتهم إلى أن حدث اختراق لهؤلاء من قبل الجماعات التكفيرية المصرية والتي فرت من مصر في أواسط وبداية السبعينات الميلادية، وكانت المملكة السعودية في بداية نهضتها العمرانية والبلاد شبه مفتوحة ولا قيود على إقامات أو غيرها، فمن هنا ظهر في صفوف هؤلاء دعاوى التفسيق والتكفير ومنابذة ولاة الأمور، والذي بدأ بالطعن في العلماء الراسخين في العلم، فزهد هؤلاء الشباب في دروس العلماء، وبدأوا يتجهون إلى توجيه أنفسهم وهم أحداث أغرار، فكان ما كان من تأويلاتهم الباطلة بشأن المهدي المنتظر وحمل السلاح وسفك الدماء حول الكعبة في سابقة خطيرة تعتبر أشد فتنة حدثت للأمة الإسلامية في العصر الحديث). ومن الواضح أن هذا العالم لا يلقي باللوم على المنهج السلفي، وإنما يحاول أن يلقي باللائمة على فكر الاخوان المسلمين المصري الذي يعتبره دخيلاً على السلفية السعودية، وبالتالي يعتبره من عوامل التخريب والهدم الفكري، وقد فاته أن فكر الاخوان لم يكن ليؤثر في عقول الشباب المتعلم والمثقف ثقافة دينية جامعية رصينة، لو لا أن هذه الثقافة بما تحمله من عوامل التعصب من الهشاشة والضعف بحيث لم تستطع الصمود أمام الفكر الاخواني الدخيل الذي يمتاز عن السلفية السعودية بأنه يرفض الرضوخ لسياسة الحاكم، ويسعى إلى تأسيس دولة إسلامية يمرّر من خلال سياستها الفكر التكفيري المقيت. موقف الصحافة من الحركة: عكس موقف الصحافة السعودية والعربية من الحادث موقف الحكومة السعودية، حيث حاولت الصحافة السعودية والعربية أن تدفع باتجاه خروج جماعة جهيمان العتيبي عن الفكر الوهابي المألوف وإلصاق ما جاؤوا به على أساس أنه مستقى من فكر الاخوان المصري تارة أو من الفكر الشيعي تارة أخرى،مع ملاحظة إجماع الاعلام المكتوب والمرئيّ والمسموع على إدانة هذا الحادث واستنكار التصرفات التي حصلت في الحرم الشريف، ومما جاء في هذه الصحف: قالت مجلة الاعتصام: كان أولى بهذه الطغمة المارقة ـ لو كان لها أدنى صلة بالاسلام ـ أن تتخذ لها موقعاً في فلسطين أو في ارتيريا أو في أفغانستان أو الفلبين أو اليمن الجنوبية أو تشاد أو تايلاند حيث تعلن حروب الابادة الشيوعية والصليبية والبوذية على الإسلام والمسلمين، أما أن تتخذ هذه الطغمة المارقة لنفسها موقعاً في بيت الله الحرام الذي من دخله كان آمناً، فتروّع المسلمين وتحتبس الرهائن وتعطّل شعائر الله، فإن مثل هذا العمل لا يليق بالصبية العبثة المغامرين. إن النفوس المهينة التي كانت لها وما زالت مواقف في الشماتة للنظام السعودي هي أهون لدى المسلمين الصادقين من أن يعبأ بها أو يقام لها وزن، وبيت الله الحرام بعد ذلك ليس ملكاً للسعودية التي أدت واجبها بعقل وحكمة. وفي مقال آخر تقول: حادثة احتلال الحرم مريبة ومشبوهة وقامت من أجل الدنيا لا من أجل الدين، القوى المعادية للإسلام وراء اقتحام الحرم.. في إحكام المؤامرة الخبيثة الحاقدة.. إن هذه المؤامرة لم تنته بعد.. ولكن ما زال هناك بعض الأذيال في المنطقة يعملون على تقسيم الدولة هناك إلى منطقة نجد ومنطقة الحجاز.. ولا زال لأعداء الإسلام صنائع وعملاء، فعلى المسؤولين السعوديين أن يكونوا يقظين لهؤلاء المترصدين. وكتبت صحيفة عكاظ تقول تحت عنوان تأملات في الحادث: (هذا الحادث جزء من المخطط العالمي للقضاء على الدعوة الإسلامية بإضعاف المسلمين بضرب بعضهم البعض، وبالتأثير على بعض ذوي النفوس المريضة باقناعهم بشعارات ودعوات زائفة بهدف التأثير على الغير. ويتساءل كاتب المقال: هل لجماعة الاخوان المسلمين ـ وقد ضُربت في مصر والسودان والآن في سوريا ـ علاقة بمثل هذه الجماعة التي احتلّت الحرم. بعد أن رأى القائمون عليها أن تتحول إلى جمعيات دينية ذات طابع سري لتكون أكثر انتشاراً وتغلغلاً في العقول البسيطة دون أن تدري. وصدرت صحيفة السياسة الكويتية بمانشيت عريض يقول: (المعتدون على الحرم من الاخوان المسلمين)، ثم اتّهمت صحيفة الرأي العام جماعة التكفير والهجرة بالوقوف وراء الحادث، مشيرة إلى أن الجماعة أحد فصائل الاخوان المسلمين بمصر. أما الصحف المصرية فقد اتّهمت إيران وروسيا وليبيا واليمن الجنوبي، فذكرت صحيفة الاهرام أن هناك احتمالين: أحدهما أن تكون الجماعة من أنصار الإمام الخميني رحمه الله، والآخر أن العملية ربما كانت بتدبير عناصر شيعية متعاطفة مع الخميني. واتهمت صحيفة الجمهورية نقلاً عن مصادر أجنبية كلاً من ليبيا وروسيا وعدن بالتخطيط للحادث، وقد تبنت الصحف المصرية هذا الموقف لأن السادات كان في حالة عداء مع السعودية في تلك الفترة، ومن ثم فقد وجهت اتهاماتها لخصومه المعارضين لسياسته تجاه اسرائيل. وعلى الأرجح أن المهدي السعودي الجديد (جهيمان العتيبي) كان معارضاً سياسياً استخدم فكرة المهدي بهدف احتلال الحرم الشريف، وسواء كان متأثراً بغيره كالاخوان المسلمين أو لم يكن متأثراً، فهو يمثل الوجه الحقيقي لنظام وهّابي وفكر سلفي متطرّف حاول إدانة سياسة دولته التي تذرّعت بالفقهاء في تمشية أمورها، هؤلاء الفقهاء الذين أفتوا دون تردد بوجوب قتل اتباعه على أنهم مفسدون في الأرض ومنتهكون لحرمة الحرم في الشهر الحرام وفي البلد الحرام.
--- التوقيع ---
منقول | |
|